728 x 90

اعتداءات الصهاينة في المسجد الأقصى.. قضية عامة أم خاصة؟

  • في رأي
  • 2023-06-24
  • 131 مشاهدة
اعتداءات الصهاينة في المسجد الأقصى.. قضية عامة أم خاصة؟

مصطفى البدري

لم يشك أحد من العرب أو المسلمين أن الربيع الثوري الذي بدأ في تونس أواخر 2010 كان بارقة أمل كبيرة للقضية الفلسطينية، وقد كنا نهتف (بمصر) في ميدان التحرير “ع القدس رايحين.. شهداء بالملايين” وكانت أكبر التُّهم التي يتم التنديد بالحكام العرب بها هي العمالة للكيان الصهيوني، أو على أقل تقدير خذلان إخواننا الفلسطينيين وعدم مناصرتهم بشكل حقيقي، وبعد تَنَحِّي مبارك بعدة أشهر لم يتردد الشباب الثائر في مصر في محاصرة سفارة الكيان الصهيوني -بل- وصل إلى تقديم ثلاثة من الشهداء فضلًا عن مئات من الجرحى في سبيل اقتحامها، وأدى ذلك لإغلاقها عدة سنوات، إضافة للحافلات الشبابية التي توجهت من مصر إلى غزة وقت الحرب عليها عام 2012.

وفي خطوة ثورية جريئة توجه رئيس الوزراء المصري د. هشام قنديل لزيارة غزة وقت الحرب عليها، مما اضطر الكيان اللعين لوقف القصف وقت تواجده داخل الأراضي الفلسطينية، ثم عاد يقصف بعدها بعنف، حتى إنهم دمروا المبنى الذي التقى فيه د. هشام بالقيادة الفلسطينية.

وهذا المشهد بالضبط يمثل لنا صورة مصغرة لحال الثورات العربية وأثرها على القضية الفلسطينية، فبمجرد إقبال الثورات انزوى الصهاينة وشعروا بالضعف وقرب الهزيمة مع تساقط حلفائهم ووكلائهم، وعند حصول الانتكاسة الثورية عادوا ينتقمون وينكلون حتى وصلت وقاحتهم لتكرار الاعتداءات سنويًّا على المعتكفين والمتعبدين في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان الكريم!!

لستُ أجد لحالنا توصيفا أدقَّ من قول النبي عليه الصلاة والسلام لثوبان رضي الله عنه: “يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ. قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”. وحتى يكون الوصف أكثر دقة، ورد في الرواية الأخرى: “حُبُّكُم الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتِكُم القِتَال” رواه أحمد وأبو داود.

ومما جاء في شرح الحديث: يَقْرَبُ فِرَقُ الْكُفْرِ وَأُمَمُ الضَّلَالَة أن تَتَدَاعَى بِأَنْ يَدْعُو بَعْضهمْ بَعْضًا لِمُقَاتَلَتِكُمْ وَكَسْر شَوْكَتكُمْ، وَسَلْب مَا مَلَكْتُمُوهُ مِنْ الدِّيَار وَالْأَمْوَال. والقصعة: وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه، وكان يُتَّخذ من الخَشَب غالبًا. والضَّمِير في (قَصْعَتهَا) لِلْأَكَلَةِ. أَيْ: الَّتِي يَتَنَاوَلُونَ مِنْهَا بِلَا مَانِع وَلَا مُنَازِع، فَيَأْكُلُونَهَا عَفْوًا وَصَفْوًا، كَذَلِكَ يَأْخُذُونَ مَا فِي أَيْدِيكُمْ بِلَا تَعَب يَنَالهُمْ، أَوْ ضَرَر يَلْحَقهُمْ، أَوْ بَأْس يَمْنَعهُمْ. (غُثَّاء السَّيْل) مَا يَحْمِلهُ السَّيْل مِنْ زَبَد وَوَسَخ. شَبَّهَهُمْ بِهِ -صلى الله عليه وسلم- لِقِلَّةِ شَجَاعَتهمْ وَدَنَاءَة قَدْرهمْ. اهـ من كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود.

وبعيدا عن هذا.. تبقى الثوابت التي لا ولن ينساها المسلمون؛ وهي: إن القدس أول القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني ليست مجرد حق تاريخي للفلسطينيين، بل هي إحدى مقدسات أمة الإسلام كافة، ولئن تخلت عنها حكومات العمالة والتطبيع، أو قصرت في شأنها قيادات السلمية والقانون الدولي.. فإن هناك من شباب المسلمين ورجالهم على أعتاب بيت المقدس من يدافعون عنها، ويبذلون أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل استمرار المعركة، يُسَلِّم مَن قَضَى نَحْبَهُ الرَّايَةَ لمن ينتظر، وما يبدلون تبديلًا، حتى يأتيهم وعدُ الله بالنصر وهم على ذلك.

واجب المستضعفين

قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (سورة التوبة)

وقد ذكر المفسرون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الناس للنفير والاستعداد للخروج جهادًا في سبيل الله، فجاء بعض الصحابة يشتكون عدم وجود المال اللازم والراحلة التي يركبونها، وطلبوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يساعدهم في هذا الأمر، فلم يجد رسول الله ما يساعدهم به ولا ما يحملهم عليه، فرجع هؤلاء القوم والحزن يملأ قلوبهم والدموع تغرق أعينهم لأنهم لم يتمكنوا من الخروج في هذه الغزوة.

كانت هذه الغزوة هي غزوة تبوك، والتي سُمِّيَ جيشها (جيش العُسرَة) لما كان من المشقة الشديدة في تجهيزه، وفي قصة كعب بن مالك وصاحبيه بيّن كعب بأنه لم يتخلف عن هذه الغزوة إلا أصحاب الأعذار والمنافقون، وحتى لا يختلط على المؤمن حال الفريقين.. نزلت هذه الآيات التي تبين الفارق بين مَن تخلف لعذر حقيقي ومَن كان من الخوالف الذين هربوا من القتال برغبتهم ومحض إرادتهم.

وبنظرة سريعة على أشهر كتب التفاسير نجد ابن كثير قد قال: ثم بين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد فيها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به. (ثم ذكر) ما هو عارض بسبب مرض عَنَّ له في بدنه، شَغَله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقره لا يقدر على التجهز للحرب؛ فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا؛ ولهذا قال: {ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم}. اهـ

إذن.. فصاحب العذر لا يتكئ على عذره ويظن أن التكليف قد سقط عنه، ولا يتوهم أنه أصبح بلا دور أو وظيفة، كلا، بل يجب عليه أن يسعى ابتداءً لتلبية النداء، ولننظر إلى عمرو بن الجموح -ذلك الصحابي الأعرج- وكيف أصرَّ على أبنائه يوم أُحُد ليشارك في المعركة رغم عذره، حتى أجازه النبي عليه الصلاة والسلام لما وجد من صدق وعزم، وشوق للجنة في قلب الرجل، أما إذا لم يتمكن صاحب العذر من الخروج حقيقة، فليكن حاله أولا كهؤلاء الذين {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا}، ثم بعد ذلك كان مكلّفًا بما يقدر عليه نصرةً ودعمًا وتأييدًا لمعارك الأمة التي عجز أن يكون أحد جنودها.

وإذا رجعنا إلى كلام ابن كثير لوجدنا أنه ذكر أمرين، الأول (النصح) وهو صريح الآية: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}، والنصح يختلف باختلاف إمكانات الناصح ومقوماته، فصاحب القناة عنده ما ليس عند خطيب الجمعة والمحاضر في المسجد، والأمر يختلف بالنسبة لمن لا يملك إلا قلمًا، وجميعهم داخلون في قوله تعالى: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} أو على الأقل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ويتدرج الأمر حتى يصل إلى المسلم البسيط الذي لا يملك منبرًا دعويًا أو منصة إعلامية فيتوجب عليه النصح وسط أهله وأولاده، وتعليمهم الدعاء للمجاهدين والمرابطين

الثاني: (لا يرجف بالمجاهدين ولا يثبطهم) وهذا حال الكثيرين للأسف، إذا وجد نفسه عاجزًا عن الجهاد أو مقصرًا فيه.. بدأ في التخذيل والتثبيط بدلًا من تعويضه العجز والتقصير بالحَضِّ والتحفيز!! وقد رأينا كثيرًا من الدعاة والمفتين يصرفون وجوه الشباب عن الجهاد، ويشغلونهم بما هو دونه في الأولوية والفضل، بل قد وصل الحال ببعضهم أن ظل يطعن في المجاهدين ويقدح فيهم بما ليس بقادح، حيث يستعمل توصيفات أعداء الأمة ويصنف الحركات الجهادية بأنها حركات إرهابية لا يجوز دعمها ولا نصرتها، وهذا قد فعله المداخلة والجامِيَّة في ليبيا ونصروا حفتر وجنوده، بل قتلوا المجاهدين المسلمين الراغبين في إقامة الشريعة الإسلامية!! كما فعلته نفس المدرسة وغيرهم من الدعاة والمشايخ الخليجيين في تصنيف حماس والإخوان جماعات إرهابية بناء على توجيهات (طويل العمر وَلِيّ الأمر).

بقي أن نتذكر في الباب حديثين شريفين:

الأول ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- لمَّا رجع من غزوة تَبُوكَ وَدَنَا من المدينةِ قال: “لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالْمَدِينَةِ رِجَالاً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلاَ أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ، وَلاَ قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَنَا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟! قَالَ: “حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ”. وفي رواية مسلم: “حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ” فهذا الحديث يزيد على معنى الآية أن صدق أصحاب الأعذار يحقق لهم الأجر الذي تمنوه ورغبوا فيه، بل يصل الأمر إلى رفعة من مات على فراشه ليبلغ منازل الشهداء بصدق نيّته.

الحديث الثاني: ما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ”. وهو حديث مخيف ليس فقط لمن لا يدعم المجاهدين أو يناصرهم، بل يصل لمن لا ينوي المشاركة. قال القرطبي صاحب كتاب المُفهِم: (فيه ما يدل على أن من لم يتمكن من عمل الخير فينبغي له أن يعزمَ على فِعله إذا تمكن منه وأن ينويه، فيكون ذلك بدلاً من فعله في ذلك الحال. فأما إذا أخلى نفسه عن ذلك العمل ظاهرًا وباطنًا عن نموه؟ فذلك حالُ المنافق الذي لا يعملُ الخير، ولا ينويه. وخصوصًا: الجهاد الذي به أعز اللهُ الإسلام، وأظهر به الدِّينَ حتى علا على كل الأديان، ولو كره الكافرون. اهـ

وفي الختام لابد من التأكيد على أهمية الدعاء والمساعدة المالية بما نقدر عليه؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: “جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم وأنفسِكُم وألسنتِكُم” رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن أنس بن مالك.

ففي رمضان يُكثر المسلمون من التعبد والدعاء، كما يخرجون زكاة أموالهم ويجودون بالصدقات؛ فليكن للمجاهدين حظهم ونصيبهم من هذه النفحات والخيرات.

وبالطبع علينا العمل من أجل استعادة المسارات الثورية التحريرية لبلادنا تصديقًا لمن قال: “طريق تحرير القدس يبدأ بتحرير القاهرة ودمشق”

والله من وراء القصد.

إقرأ أيضًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

أحداث ومناشط قادمة

الأحدث

الأعلى مشاهدة

من معرض الصور