728 x 90

حرب فلسطين 1948 في مذكرات القائد محمد طارق الإفريقي

حرب فلسطين 1948 في مذكرات القائد محمد طارق الإفريقي

خليفة البشباش

‎‏محمد طارق الإفريقي، هو أحد الشخصيات الليبية التي لها أثر كبير في ميادين النضال والجهاد، والتي لم تنل حقها من الدراسة والشهرة، يترجم له الأستاذ علي مصطفى المصراتي والذي التقى به وتحدث عنه في كتابه “نماذج في الظل” فيقول عنه:

“من مواليد عام 1886م، ومن طفولته عرف بالذكاء واللباقة والإدراك.. وتخرج من المدارس العسكرية بطرابلس في أواخر العهد العثماني، وأكمل دراسته بتركيا وساهم في الدفاع عن طرابلس عام ‎1911م، حارب الطليان من بن قردان إلى هضبة السلوم وكان على صلة بالمجاهد أحمد الشريف، كما ساهم في حرب البلقان عام ‎1911م كضابط عثماني، وايام الحرب العالمية الأولى ‎1914-1918 وقدم إلى سوريا مع الداماد أحمد نامي في أحلك ظروف سوريا. كان ذلك في مطلع عام 1926‏م والثورة السورية على أشد ما تكون ضراوة ضد الفرنسيين، عمل طارق الأفريقي مع الثوار السوريين كما عمل مع مجاهدي طرابلس كما قاوم الإنكليز والأوربيين في بلاد العرب ومناطق البلقان أيام ارتباط المسلمين بأواخر خيوط الخلافة.

وركب البحر عام ‎1936‏م لنصرة الأحباش ضد الدوتشى “موسوليني” المستبد الديكتاتوري الذي كان في تلك الآونة ترتعب منه عواصم أوربا، صفحة نضالية يجب ألا تطوى بل تذكر بكل فخر.. نازل الاستعمار وحاربه في كل جبهة، بالسلاح لا بالكلام.. طارق الأفريقي.. عسكري مجاهد، مؤمن مناضل، قارع الاستعمار الطلياني والإنكليزي والفرنسي والصهيوني” أهـ
ويذكر أن طارق الافريقي عندما شكلت لجنة تخطيط الحدود بين طرابلس (ليبيا) وتونس سنة 1910م عين مستشارا لرئيس هذه اللجنة، وقد نعته رابطة قدامى المحاربين في دمشق يوم وفاته سنة 1963م ببيان يحتفظ المركز الليبي للمحفوظات بنسخة منه حيث وصفته بأحد رجال القرن العشرين الأفذاذ في البطولة الحقة، جاء فيه أن: “الفقيد عرف بدماثة خلقه وتفانيه في سبيل الواجب إلى جانب اطلاع واسع على فنون الحرب وأساليبها… وقد عرف منذ نعومة اظفاره بالجد والوقار والتحلي بأخلاق السلف الصالح من أبطالنا الأبرار”

• عرض لمذكرات طارق الافريقي “المجاهدون في معارك فلسطين 1948”

ولما كنت أحد قادة المجاهدين الذين قادوا معاركها من البداية حتى النهاية حيث قمت بإدارة أربعين معركة ضد اليهود في جبهتي غزة والقدس، رأيت من واجبي أن أسجل هذه المعارك وما يحيط بها من الأسرار وكيفية وقوعها وجريانها مع ذكر أسماء شهدائها وجرحاها وغنائمها خدمة للحقيقة والتاريخ للأجيال القادمة

يتحدث الإفريقي في مقدمة كتابه عن بداية تخطيط الصهاينة لاحتلال فلسطين، وخطواتهم العملية لذلك في أواخر عهد الدولة العثمانية، حيث يشير إلى يقظة السلطان عبد الحميد لهذه المخططات والتجاءهم إلى خصومه الاتحاديين للوصول إلى أهدافهم، ثم اتجاههم إلى محمد علي باشا في مصر ومحاولة خداعه عبر شعارات “إعمار فلسطين والاستثمار فيها”، وصولا إلى تأسيس الحركة الصهيونية العالمية والسعي لإقامة كيانهم في فلسطين باستخدام الموارد والبنوك والعلاقات الدولية الكبيرة التي يتمتعون بها.

ثم يتحدث في فصول الكتاب اللاحقة عما سماه “شؤون المجاهدين” وجهود مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني، ويتناول تشكيل “الهيئة العربية للدفاع عن فلسطين” سنة 1946م، ويشرح كيف تم تقسيم فلسطين إلى سبع ساحات قتالية لتوزيع المجاهدين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين حولها وتنظيم المعارك وهي كالتالي “ساحة القدس، ساحة بيت لحم، ساحة رام الله، ساحة القرية الوسطى، ساحة الجنوب، الساحة الغربية، الساحة الشمالية”

اما الجزء الأهم من الكتاب فهو الذي يشرح فيه محمد طارق الإفريقي جريان وسير المعارك في فلسطين سنة 1948م، حيث وكلت إليه مهمة تأسيس قيادة جبهة غزة وتوزيع القادة الميدانيين عليها، وقيادة المعارك فيها كمعركة الفلوجة ومعركة المجدل ومعركة جوليس ومعارك أسدود وبربرة ومعركة جورة وغيرها من المعارك التي امتدت حتى أواخر أبريل من سنة 1948م، حيث يسرد المؤلف سير المعارك وظروفها وحالة الطرفين مع توثيق لبعض شهداء وجرحى المجاهدين، وتقدير خسائر العدو الصهيوني.
ولكن الإفريقي يخلص في النهاية إلى الظروف الصعبة التي تواجه جنوده من حيث قلة الأسلحة والذخائر، وذكر أن سكان قضاء المجدل الفلسطينيين ساعدوه ببيع مدخراتهم وما يملكونه لتوفير بعض العتاد والذخيرة، ورغم شكره لهم إلا أن ذلك لا يكفي فقد ذهب في وفد إلى رئيس الهيئة العربية في القاهرة يطلب منه تدارك وضع الأسلحة والعتاد عاجلا وإلا فقد تسقط الجبهة الجنوبية، يكتب محمد طارق الإفريقي:
“مضى على وصولنا إلى القاهرة والاتصال بالهيئة العربية زهاء أسبوعين، لم نصل خلال هذه المدة إلى أي نتيجة بينما المعارك ما برحت مستمرة ليلا ونهارا في الجبهة، وقد أدركت ما سوف تنتهي إليه مساعينا من الفشل، فعليه اتفقنا على شراء الأسلحة من تجار مصر، وبالفعل تمكنا من شراء كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة ولكن، مع الأسف لم نتمكن من إرسالها إلى فلسطين بالرغم من مخابرات رئيس الهيئة العربية العليا مع الحكومة المصرية”

وهكذا يمضي الإفريقي في سرد المشاكل التنظيمية وضعف الإمدادات، والتي تسببت في عقد الهدنة الأولى ووقف القتال في العاشر من يونيو سنة 1948م ودخول “الجيوش العربية” والتي دخلت “بلا خطة ولا قيادة موحدة ولا استعدادات” كما يقول، وكان الإفريقي وقتها قد غادر إلى دمشق، ويتحدث في هذه الفصول عن ضعف الجانب السياسي أيضا حيث تمكن الصهاينة من خداعهم والتآمر عليهم مع الدول الكبرى حسب وصفه.
في الفصل الذي عنونه بـ” الدور الثاني لحرب فلسطين” يتلقى محمد طارق الإفريقي من احمد حلمي باشا قرار تعيينه على قيادة إحدى المناطق في ساحة القدس، نظرا لأنها بحسب تقديرات القادة أهم في ذلك الوقت من جبهة غزة، ومثل النصف الأول من الكتاب يمضي المؤلف في سرد أوضاع الجبهة وتنظيم المجاهدين وظروف الإعداد، ثم يروي سير كثير من المعارك مثل سلسلة معارك النبي داوود السبعة ومعارك دير أبي طور ومعركة جبل المكبر ومعركة عرب السواحرة ومعركة وادي ربابة وسلوان وغيرها من الأحداث التي كانت أكثر زخما وقوة، كما يسرد بعض المجازر والجرائم التي ارتكبها الصهاينة في حق الفلسطينيين، واغتيالهم للكونت برنادوت الوسيط الدولي لحل قضية فلسطين ومساعده، واستمر في قيادة المعارك حتى شهر نوفمبر سنة 1948 حيث قدم استقالته نظرا لظروفه الصحية، ويختم الإفريقي كتابه بملاحظات تاريخية واجتماعية قصيرة وملاحظات عن المؤثرات الخارجية في الحرب.

إقرأ أيضًا

أحداث ومناشط قادمة

الأحدث

الأعلى مشاهدة

من معرض الصور