فلسفة الأطروحة الجندرية ( العولمة اللادينية )
د. نجاح بن زايد
يشير مصطلح (الجندر) إلى التفرقة بين الذكر والأنثى على أساس الدور الاجتماعي لكل منهما تأثرت بالقيم السائدة، إذ تسعى الجندرية لإحداث تغيير في بناء الأسرة، وإلغاء الدور الأمومي للمرأه، والسماح بحرية الشواذ نساء ورجالا، وبالتالي تصبح كلمة الجندر بدلا عن الرجل والمرأة، وكلمة الشريك بدلا عن الزوج، وكلمة الشراكة أو الاقتران بدلا عن الزواج والأسرة، وهو سبب إبقاء الكلمة دون تعريف.
تقوم فلسفة النوع الاجتماعي على نقد القيم الأخلاقية التى توارتثها المجتمعات الإنسانية، نقدا فلسفيا يجتثها من جذورها بما في ذلك القيم الأسرية، والطبيعة الأنثوية وغيرها.
ولعل أشهر فلاسفة النقد القيمي هو الفيلسوف نيتشه، ومشروعه في النقد الجينالوجي، حيث ينزع هذا النقد القيمي إلى تعويم المفاهيم القيمية في مجال رمادي شديد الغموض.
هذا البعد اللا أخلاقي للأطروحة الجندرية، هو ما جعل الجندر من أسوأ المفاهيم التي طرحتها الحداثة على مدى خمسة قرون بل أخطرها.
ومن المغالطات المنطقية للأطروحة الجندرية أنها تنطلق من كذبة بيولوجية، تدعي المساواة بين الذكر والأنثى في الإمكانيات والقابليات، ومن ثم الأدوار، وهو ما ينكره علماء البيولوجيا والوراثة على وجه الخصوص، ولعل أيسر مثال على بطلان هذا الادعاء أن أدوار الأنوثة والذكورة هي أدوار ثابتة لا تتغير في مملكة الحيوان.
تقوم فلسفة الجندرية على عدة مبادئ تتمثل في:
1/ هدم نظام الأسرة من باب القضاء على عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وهو ما عبرت عنه الناشطة النسوية (روبن مورجان) بقولها: (لا يمكننا القضاء على عدم المساواة بين الرجل والمرأة حتى نقضي على الزواج) ووصل الأمر في بعض البلدان الغربية إلى استغناء المرأة عن الرجل في الإنجاب عبر تقنية الاستنساخ، مثلما فعلت جمعية ( Feminism)، كما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أخبار عن حمل رجل وإنجابه بعد عملية زرع رحم في جسده.
2/ إباحة الشذوذ الجنسي ودعم المثلية، وتجريم القوانين التى تعاقب الإجهاض، وعدم تجريم بيع الجنس، والدعارة كمؤسسة.
3/ الدعوة التبشيرية بمجتمع بشري جديد من النوع الواحد، وأذكر هنا ما حصل مع إحدى عالمات الحيوان في إحدى الجامعات الألمانية، فقد ذكرت في محاضرتها أن العلم لا يعرف إلا الذكر والأنثى، فتم إرغامها على سحب محاضرتها؛ لأن المطلوب هو طمس كل هذه الحقائق.
ما يلفت النظر في فلسفة الجندر هو آلية العمل، حيث تبنى الفلسفة الجندرية مفاهيمها بتدرج من البسيط إلى المركب، فلا تفضي مباشرة إلى مترتباتها (تسويغ المثلية، التحول الجنسي) حتى تتمدد في عدد هائل من الحقول المعرفية والاجتماعية؛ لاكتساب شرعية واسعة، فعلى سبيل المثال مناهج تدريس اللغة الإنجليزية في المراكز اللغوية الأمريكية تقدم مناهج مهمة في هذا التدرج في البناء، إذ يتم البدء بطرح أسئلة جدلية تتعلق بالرجل والمرأة، والألوان التى يرتديها الأطفال، وكذلك الألعاب المخصصة لكل منهم، واستصدار قوانين ضد التميز أو دعم المثلية وغيرها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا يدعم الغرب الجندرية؟
من المعروف أن أمريكا وفرنسا والمانيا ونحو 32 دولة تدعم حقوق الجندريين، كما أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق تضم نحو ألفي شخصية ما بين وزراء وضباط يدعمون المثلية، والمتتبع لوسائل الإعلام الأمريكية سيلاحظ كيف تصر شبكة (Cnn) الأمريكية على طرح أسئلة تتعلق بالمثلية على القادة الأفارقة بدلا من طرح أسئلة تتعلق بالفقر، والجوع، والبطالة، وغيرها من المشاكل في تلك البلدان.
وعلى الصعيد الإعلامي أيضا لا ننسى ما صرحت به المديرة التنفيذية لشركة ديزني المعروفة حين قالت: إن من أهداف الشركة في نهاية عام 2022م أن تكون نصف الشخصيات الكرتونية التى تنتجها شخصيات مثلية!.
أبعد من ذلك، وفي مقابلة تلفزيونية مع أحد رجال الأعمال المسيطرين على البنك الفيدرالي وعلى صناع القرار في أمريكا وهو (نك روكفلر) أجاب على سؤال لماذا تدعم مؤسستك المالية الضخمة حقوق المرأة؟ فأجاب حتى تتولى المدرسة أو الحكومة تربية الأطفال، وبالتالي نستطيع تغذيتهم بما نريد.
أيضا لا ننسى الضغط الذي تمارسه الاتحادات الرياضية الكبرى على البلدان النامية، والمقايضة بالقروض مثلا للتوقيع على اتفاقيات تدعم المثلية.
والسؤال لماذا كل هذا الإصرار على دعم شىء مخالف للطبيعة؟ ولماذا يخسر الأشخاص المعروفون وظائفهم وأعمالهم عند معاداة المثلية؟ وماذا عن العمليات الجراحية والعقاقير الطبية المتاحة وبكل سهولة لكل من له ميول جنسية؟ ولماذا تصبح الرياضات النسوية مشبوهة بمجرد دخول المتحولين جنسيا لها؟ والسؤال الأهم من الجهة أو اللوبي الذي يدعم الجندرية؟
يرجح البعض أن نظرية المليار الذهبي، أو المليار السعيد هي وراء هذا الدعم؛ لأن أسرة النوع الواحد التى تروج لها الجندرية تحقق هذا التقليص المطلوب في العدد.
بينما يرجح البعض أن السبب هو الرغبة في تجربة ما هو جديد، أو بالأحرى الفراغ، أو الخواء الروحي كما يقول الفيلسوف المصري عبد الوهاب المسيري هو ما يجعل الغرب يتجه هذا الاتجاه.
في كتاب (فناء الغرب) يقول (باتريك بوكانن)- وهو مستشار سابق لثلاثة رؤساء أمريكيين-: إن الغرب يتجه إلى مرحلة الموت الكامل، والتي تكون على مرحلتين:
المرحلة الأولى: موت أخلاقي بسبب دعم المظاهر غير الأخلاقية والشذوذ الجنسي.
المرحلة الثانية: موت بيولوجي، والمقصود الموت الطبيعي للسكان.
وانتقل للحديث عن النقطة الأخيرة، وهي مهمة الفكر الإسلامي المعاصر لمواجهة الفلسفة الجندرية.
في الواقع هذا التدرج في مسار الانتقال من مفهوم المساواة الليبرالي، إلى مفهوم الجندرية الراديكالي، والحجج الفكرية التي يتأسس عليها، وطريقة الانتقال بين المفاهيم من البسيط إلى المعقد، أوقعت الفكر الإسلامي في مأزق التعامل المناسب مع هذه الفلسفة، خاصة وأن تفاعل الفكر الإسلامي لا يزال ضعيفا من حيث الحجم، ومحدودا وسطحيا من حيث المضمون؛ لأنه في الغالب ترتكز المهمة إلى مقاومة المثلية والتحول الجنسي، في حين أن هذه القضايا ماهي إلا المترتبات الجزئية عن الجندرية، لذلك معركة الفهم أساسية حتى يتم الفصل بين المفهوم في حقله الفكري والمعرفي، وبين المفهوم كما يجري توظيفه في حقل السياسة، تأتي بعدها مسألة حصر الأولويات الفكرية والمفاهيم الفلسفية والتدقيق في الحجج وكشف التناقضات قبل الانتقال إلى السجال الفكري، وعرض هذه المفاهيم أيضا على المرجعية الإسلامية أو القيام بمراجعات في الفكر الإسلامي تمكن من المناظرة الفكرية لأصول هذه الفلسفة.
وأشير هنا إلى ما طرحه الفيلسوف المصري عبد الوهاب المسيري في مواجهة الحركة النسوية، وقوله: إن البديل هو دراسة قضايا المرأة العربية المسلمة داخل إطارها التاريخي والإنسانية.
كما يجب أن تأتي الحلول من منظومتنا القيمية والأخلاقية، وبهذا يستبدل الحديث عن حقوق الطفل الفرد، والمرأة الفرد، والإنسان الفرد بالحديث عن حقوق الأسرة كنقطة بداية يتفرع عنها حقوق الأفراد.
الجندرية هي (العولمة اللادينية) التى تتمثل في العبث بالقيم الاجتماعية التى أقرها الإسلام، وأقرتها كل الشرائع السماوية وغير السماوية، وهي مؤامرة على الجنس البشري، وهي انحطاط أخلاقي لا حدود له، يظهر جليا في تصريحات المنظرين له بأنه لا حد للنوع الاجتماعي ! بشاعة الطرح تتمثل فيما نراه اليوم من تقليعات غريبة يتحول فيها الإنسان إلى كلب، أو مسخ يقوم بتشويه جسمه والتنكر لطبيعته، التي قال فيها عز وجلّ ( فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) .