728 x 90

مقال بعنوان: سرُّ مكتبتي، بقلم الدكتور: خالد مريود

مقال بعنوان: سرُّ مكتبتي، بقلم الدكتور: خالد مريود

مقال بعنوان: سرُّ مكتبتي، بقلم الدكتور: خالد مريود

من بين الذي قرأتُه مؤخراً لأستاذ علوم القرآن واللغة؛ بكلية العلوم الشرعية والإفتاء الشيخ د. محمد خليل الزروق مقدمة له لمقال بعنوان: (مكتبتي) للشيخ “عبد اللطيف الشويرف” رحمة الله تعالى؛ المقال أعيد نشره بمجلة (مشعل) الصادرة عن إدارة البحوث بمركز الشيخ على الغرياني للكتاب؛ بعد مقدمة سبرت غوره وأبانت مجاهيله، وما حواه من  مسالك علمية رفيعة؛ والمقال، ذو دلالة ومغزى؛ كتبه الشيخ “الشويرف” في جريدة (الليبي) سنة 1959 حين كان غضاً طريَّ العود، كما ذكر الشيخ “زروق” في مقدمته.

والذي أثار حفيظتي، ودفعني، لقراءته، وتكرار ما قرأت ـ ولا أذيع عليكم سراً  أنني قرأته، لمرتين، أو ثلاثاً وأدعو لقراءته ـ هو ما فيه من فكرة، عظيمة، وشغفٍ متصل، ب(كنز) الكتب، ورعايتها، والاهتمام بها؛ تماماً كالاهتمام بالنشء؛ نعم (شاخ) الشيخ “الشويرف” ومضى لربه، لكن لم تَشخ تلك (النفائس) والدرر التي تركها خلفه؛ غادرنا لكن (مكتبته) التي رعاها، وسقاها، واعتنى بها، ظلت صامدةُ، يلوذ بها، كل شغوف، للعلم والمعرفة؛ نعم ظلت بذات البهاء، والنضارة، والحفظ، والصون، تعهداً وبراً ووفاء لا ينقطع من أبنائه.

لم يكتنز الشيخ “الشويرف” رحمه الله الدرهم، أو الدينار، وإن كان في وسعه كغيره؛ لكنه اكتنز، علماً نافعا، وأصلاً لا فرعاً، اكتنز، أمهات الكتب، في شتي ضروب العلم والمعرفة، يقول الشيخ الشويرف “رحمه الله” في مقالته تلك عن مكتبته: (أما مكتبتي، فلي معها شأن خاص، وعلاقتي، بها علاقة حب قديمة، تضرب بجذورها، في أعماقي، وترجع بداياتها، الأولى، الى زمن طفولتي، الغض؛ حيث غرست نواة مكتبتي، في صندوق شاي صغير، وأنا ابن عشر سنين، وكانت نواة، مباركة، متمثلة في مصحف شريف، ذي أرباع، برواية، ورشٍ عن نافع، ورثته عن والدي رحمه الله، وكتاب قديم، أو كتابين).

ولم يكن، جمع تلك النفائس، والدرر الثمينة، هيناً، سهلاً، بل كان شاقاً وعسيرا، ينبع من منهلٍ عذبٍ وحب عظيم؛ كان حباً عميقاً مشحوناً، بالاستغراب والدهشة بلغ به، أن جعل مكتبته ((خلوة)) لنفسه، تماماً كالعابد، المنعزل يجد فيها السكينة والطمأنينة يناجي فيها روحه، كما يقول: بصمتٍ عميق يعجز، عن بلاغته، وروعته، أفصح من الكلام المنطوق، شعراً ونثراً (وفي مكتبتي، تتجمع أفكاري، المشتتة، وتحضر خواطري الغائبة، وتتوارد على ذهني، الصور، والألوان، وتتولد عندي، المعاني، بلا مخاض عسير، ويَسْلس أسلوبي، بلا تصنع، ولا تكلف، ويسجل قلمي، بلا تعثر، وبلا توقف؛ كأنها مصدر إلهام أو منبع إيحاء).

ولعل التساؤل الذي دار في ذهني وانا أقرأ كل ذلك الهيام والعشق النبيل؛ عن ما السرُّ وراء كل ذلك؟ ما السر وراء تلك المكتبة التي هام بها عشقا الشيخ “الشويرف”؟ هل السر في المكان؟ أم الزمان؟  أم السرُّ في تلك الأرفف المشدودة على الجدران؟ .. ما السر الذي جعله يمضي سنين عمره الطويلة، عناية، ورعاية، بتلك المكتبه؟  وما الذي دفعه إلى تبديل البسط الأعجمية والوسائد والفرش والمتاع، بتلك الأوراق، والكراتين، المتكدسة، في كل ركن، وزاوية من ببيته ومزاحمة أهل داره…؟ الإجابة بكل تأكيد هو ذاك العشق الأبدي (للقراءة) سادتي!  ..  القراءةُ التي فرّت من يدنا، وأصبحت من الماضي الذي نناديه، حتى صرنا أمَّة (اقرأ) التِّي (لا تقرأ) دعك أن نقيم، صرحاً للقراءة، أو نقتني كتاباً!!

ولعل مقالة الشيخ الشويرف عليه من الله شآبيب الرحمات تتنزل؛ دعوة صادقة منه وصدقةٌ جارية له في أن نعيد للقراءة مجدها، وللكتاب عزته، وأن نتقاسم معه المكان والزمان؛ دعوةٌ أن يجعل كل منا للكتاب مكاناً حتى لو يسع فقط كتاباً أو كتابين؛ دعوةٌ أن نعود للكتاب فنجعل له مهرجاناً ومسرحاً، في حاراتنا، وأزقتنا، وسوحنا، ومياديننا.. دعوة أن يُهدي كل واحدٍ منا طفله، أو طفلته،  كتاباً واحداً فقط كل عامٍ، يكون بذرة، خير، لأجيال قادمة.

 

نُشر المقال يوم الأربعاء، الموافق 18 يونيو 2025

إقرأ أيضًا

أحداث ومناشط قادمة

الأحدث

الأعلى مشاهدة

من معرض الصور