728 x 90

طوفان القلم .. رحلة في مجتمع الثبات

طوفان القلم .. رحلة في مجتمع الثبات

طوفان القلم .. رحلة في مجتمع الثبات
قراءة في كتاب: (مجتمع الثبات في معركة طوفان الأقصى)
للدكتور: أسامة الأشقر

 

بقلم: عزام بحر                                                                                                                                                                                          

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل رحمة وهاديا وداعيا لكل الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

الحدث المفصلي السبت الحاسم نقطة التحول المحطة قبل الأخيرة في درب التحرير، كل هذه الأسماء وغيرها يصح لك أن تطلقها على هذه الملحمة المباركة: معركة طوفان الأقصى، ولن تكون مبالغا أو مطبّلا إن زدت في وضع أسماء لهذه المعركة؛ فقد كان وما زال وسيظل لطوفان الأقصى الأثر الكبير في قلب موازين العالم أجمع، ليس فقط قضية فلسطين أو ما حول فلسطين من بلاد العرب والمسلمين، وإن حدثا ضخما بحجم الطوفان لن يقتصر تأثيره على مجال واحد أو ساحة واحدة من ساحات التأثير كالساحة العسكرية أو السياسية، بل سيتعداها ليكون مؤثرا، بل صانعا لموجات وارتدادات له في عديد المستويات، المعرفي والثقافي والدعوي والكثير الكثير.

ولأن الطوفان المبارك قد علمنا أن لا نتكئ إلى وسائل النصرة التقليدية وننشغل بها عن الواجب الأساس، وهو الجهاد بالقتال والمال، فقد يتساءل البعض: ما بالنا لم نتعظ بالطوفان المبارك ولم نخرج من قوالب النصرة التقليدية وبقينا أسرى لقيودها فصرنا ممن يتغنى بالطوفان قولا، ويهجر الاتعاظ والانتفاع به سلوكا وعملا؟

أقول والله الموفق: إن الخروج من قوالب النصرة التقليدية كالكتابة ونشر الوعي والمقاطعة وما شابهها لا يعني تركها بالكليّة، بل المطلوب حقيقة أن تكون هذه الوسائل سلّما لما هو أعلى منها (الجهاد بالقتال والمال) وتكون هذه الوسائل رافدا وداعما للجهاد لا شاغلة عنه ولا مثبطة ومخدّرة، وبالاصطلاح النبوي الشريف: إن هذه الوسائل ينبغي أن تكون في دائرة: (تحديث النفس بالغزو) حتى تؤدي الغرض منها وتنقل المرء إلى دائرة (الغزو) أي الجهاد في الميدان، ومتى كانت وسائل النصرة صادّة عن الجهاد أو ملهية عنه فهي لا تؤدي المطلوب منها ولا يُرجى فيها الخير، وهذا الفهم هو الأقرب لما أراده رجال الطوفان الأبرار الذين هم معلمونا وأساتذتنا في المفاهيم والسلوكيات.

وعوداً على تأثير الطوفان في عدة مجالات: فإن المجال الثقافي والمعرفي لم يكن بمعزل عن هذا التأثر بطوفان الأقصى المبارك، بل كان له نصيب وافر من التأثر بعديد المقالات والكتب والمواد الثقافية المرئية والمسموعة التي زادت بيان قيمة الطوفان وأهميته وواجب الجميع في هذا الطوفان، وإن كثيرا من الأعمال الفكرية والدعوية والعلمية التي نراها عقب الطوفان لم تنشأ وتكتمل لولا بركة الجهاد في سبيل الله وبركة المسجد الأقصى المبارك وبركة الطوفان المنبثق عنهما، وقد صار لزاما على كل طامح لموطئ قدم في عزة الإسلام والمسلمين قريبا أن يستثمر هذا الطوفان وما أنتج فيه من كتب وجهود مقدرة مشكورة لننشئ معا جيل النصر والتمكين الذي يحمل راية الإسلام ويُعليها فوق كل راية تعاديه.

قد تكون سئمت عزيزي القارئ من المقدمات السابقة، أبشرك أني سأدخل بك موضوعنا المقصود لذاته، أو على الأقل: أننا على أعتابه الآن.

موضوعنا هو أحد الأعمال الموَفَّقة التي ظهرت في ظل الطوفان المبارك: كتاب جمع عشرات المقالات التي قال عنها مؤلفها أنها خلاصة دراسات وأوراق ومقالات ومرافعات انتظمت كلها في سياق طوفان الأقصى، هو كتاب: (مجتمع الثبات في معركة طوفان الأقصى) للدكتور: أسامة جمعة الأشقر.

ولمن لا يعرف د. أسامة الأشقر بإيجاز: فهو من فلسطينيي سوريا، ولد في اللاذقية عام 1970م، وانتقل في صغره مع عائلته إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرس فيها من المرحلة الابتدائية حتى تخرج من كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية في المدينة، ثم أكمل الماجستير والدكتوراه في السودان، عمل د. أسامة أستاذا بجامعة الخرطوم بالسودان بين عامي 1997م – 2005م، ترأس تحرير المركز الفلسطيني للإعلام بين عامي 1999م – 2005م، ويترأس حاليا منتدى الأكاديميين الدولي لقضايا القدس الذي يقع مقره في إسطنبول بتركيا، للدكتور عدة كتب منها: (فتوح فلسطين مقامات السائرين لنصرة الأقصى وفلسطين البركة مقوماتها ومنازلها بين مكة وبيت المقدس أرواح الطوفان) وكتابنا الذي نخوض فيه هذه الرحلة القصيرة: (مجتمع الثبات)

وأصل الكتاب مجموعة مقالات كان ينشرها د. أسامة عبر حسابه على منصة (فيسبوك) تزامنا مع أحداث طوفان الأقصى، جمعها بعد مرور عام على بدء المعركة، ونشرها عبر منتدى الأكاديميين الذي يترأسه، وكان التنفيذ والطباعة عبر مؤسسة الفرسان بعمّان الأردن، صدرت من الكتاب طبعة واحدة في عام 1446 هـ / 2025م.

وإن شئت المرور سريعا على بعض العناوين الجذّابة التي تضمنها الكتاب وما أكثرها، فخذ منها: (حدثيني بالغزو أطعمونا من غبار كرامتكم طوفان أبي بكر لا نملك إلا الدعاء! – رصيد الجراح خفافا وثقالا عبادة المراغمة المنسية البدريون في زماننا رماد الخذلان أمة تحت الاستبدال الشهيد السعيد ميلاد ثورة الطوفان) ولهذه العناوين المميزة أخواتها الكثيرة بين دفّتي الكتاب.

ورحلتنا في هذا الكتاب ستقتصر على بعض المواضيع التي تكرر وتناثر ذكرها في الكتاب مع شيء من الاقتباس من عبارات المؤلف.

 

 


صدى الطوفان:
لقد بني الكتاب كليّا على أن هذا الطوفان المبارك  له صدى واسع المدى وتأثير جذري اليوم وغدا وبعدهما في كل أرجاء الدنيا، وكان من أبرز أصداء الطوفان وآثاره فينا: المجتمع المنغرس في أرضه بأكناف بيت المقدس، وما قدمه من صمود أسطوري أذهل الجميع؛ وكان من أسباب ذلك: الفهم المغاير لبعض القيم الكبري في المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة، من ذلك أنه تَغَيَّر مستوى النظر للموت والحياة، أي مستوى النظر للزمن، فلا قيمة للزمن أو للحياة مع وجود المحتل، وترتفع قيمة الحياة بتناقص وجود المحتل، وأصبحت الشهادة مكافئة للزواج والميلاد في الفرح العارم وتحويله إلى مشهد حياة وانتصار، فحدث هنا ضبط اجتماعي أدى لمفاعيل غير متوقعة في إعادة صياغة قيم المجتمع واتجاهاته واهتماماته، وقد كان من أبرز شواهد صدى معركة الطوفان وتأثيرها أنها أعادت للمجتمع الفلسطيني أما العالم أصول قضيته الأولى، وهي أنهم شعب محتل شرّد من أرضه، وأن قصة الكارثة لم تبدأ يوم السابع من أكتوبر، بل قبل ذلك بأكثر من سبعين عاما، ليس هذا فحسب، بل كان من صدى الطوفان أنه أزاح عن أذهاننا وهم (الجيش الذي لا يقهر) و(القبة الحديدية) وما شابه ذلك من انهزام نفسي أمام العدو تهاوى مع عبور المجاهدين لحدود القطاع إلى أرضنا المباركة التي احتلت عام 1948م.

الطوفان والوحي:
لو لم يكن لطوفان الأقصى أثر إلا أنه جدد فينا تدبر نصوص الوحي واستحضارها في واقعنا لكفى، فإن الناظر في القرآن والسنة وفي الطوفان ومجرياته سيجد تطابقا عجيبا بينهما، وسيجد الطوفان دافعا نحو الرفع من قيمة التدبر والتأمل في نصوص الوحي وربطها بالواقع سلوكا وعملا، ومن شواهد ذلك ما تحدث عنه المؤلف ضمن وقفته مع الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ.” [أخرجه مسلم]، حيث قال: “وحديث النفس بالغزو يعني أن تلحّ عليها وتقنعها بقصد المشاركة بالقتال بنفسك أو مالك أو محل قدرتك وخبرتك وتعظيم أدوارك.
وحديثك مع نفسك لا يعني أن تأتيك الخاطرة، ثم تدفنها بسلوك لا ينتمي إليها، بل يعني أن تستعد للمستقبل وتخبر نفسك بجدية أنك تحب القتال والمقاتلين؟، وتتشوق إلى مشاركتهم والانخراط في صفوفهم، وتدافع عنهم وتذب عن أعراضهماهـ.
وقد نقل المؤلف معنى موفقا للعز ابن عبد السلام، حيث قال ضمن توقفه مع الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَجْتَمِعُ كافِرٌ وقاتِلُهُ في النَّارِ أبَدًا.” [أخرجه مسلم]، قال المؤلف: وقد وجدت هنا كلاما بارعا لسلطان العلماء العز ابن عبد السلام فتأمله مرارا، يقول: (إنما لم يجمع الله بين الكافر وقاتله في النار من جهة أنه محا كفره من الأرض)”.

الطوفان والمفاهيم:
من بركات الطوفان ومحاسنه: أنه أعاد صياغة مفاهيم كانت مشَوَّهة في أذهاننا، ومن أبرزها وأكثرها تسببا في لمز المجاهدين والطعن فيهم والشعور باليأس: مفهوم النصر، وقد كان للمؤلف كلام حول هذا المفهوم، حيث قال: “واعلموا أن النصر المراد في الآيات والنصوص لا يعني الغلبة والظفر، بل هو من مقتضياته؛ لأن أصل معنى النصر هو الإعانة، والنصرة حسن المعونة، والاستنصار هو استمداد المعونة، فنصر الله هو عونه لعباده وغوثه لهم، فهل ترون أن نصر الله قد حلّ بأولئك المقاتلين وحاضنتهم بهذا الثبات الذي ترونه، وهذا الصمود العجيب، وهذه المبادأة الاستراتيجية التي قلب معادلة الصراع، وأسست لعهد جديد!”

في الإسناد والعمل لفلسطين:
لم يترك المؤلف القراء في زوايا التنظير عن الطوفان حتى وهو أمر طيب، بل كان له أكثر من مقال يبين فيه بعض طرق وآليات العمل المساند للجهاد والمجاهدين، من ذلك ما كتب تحت عنوان: (ماذا نفعل مع الدعاء؟) اختط فيه مسارا واضحا في 5 نقاط لمن أراد العمل لفلسطين خلاصتها:
1.
البحث عن ما لدينا من قدرات وإمكانيات
2.
البحث عن ما لدى غيرنا ممن نستطيع الوصول إليهم من قدرات
3.
التركيز على الأفضل منها
4.
بناء خطة عملية مرتكزة على ما سبق
5.
اختيار قيادة تتابع العمل والخطة

دور الأمة:
لا يختلف اثنان على أن طوفان الأقصى كان يمكن أن تكون له نتائج وثمرات أكثر إبهارا وتأثيرا من التي حققها ولسنا نقلل منها أو من قيمتها فهي ثمار كبرى وقيّمة لو كان الأمة حاضرة وفاعلة في الطوفان، لا أن تكون بين داعم قليل ذات اليد والإمكانات، وبين مثبط مخذل يحجب ما عنده من إمكانات عن تسخيرها لنصرة الحق، وقد كان للحديث عن أهمية دور الأمة وسوء عاقبة الخذلان نصيب جيد من الكتاب، من ذلك ما قاله المؤلف عن سبب عدم قدرة المقاومة على استثمار انتصاراتها في حروبها السابقة ضد الاحتلال، فقد خاضت المقاومة الفلسطينية المعاصرة حروبا شرسة انتصرت في أكثرها، لكن الظرف السياسي المحبط لأمتنا حرم المقاومة من استثمارها سياسيا، وقد أكد المؤلف على أن المجاهدين والمرابطين ببيت المقدس وأكنافها هم رأس الحربة والصف الأول في محاربة الاحتلال الصهيوني والمشروع الغربي المعادي للإسلام، وأننا جزء من هذا الصراع ولسنا مجرد داعمين أو مساندين، بخلاف ما شاع بين كثيرين أن أطراف المعركة هما الفريقان المتقاتلان، وأن النصر مرتبط بغلبة أحدهم على الآخر بظهور كاسح أو موازنة نقاط، ولكن الحقيقة أن كل فريق هو طليعة لأمة وحضارة، ولأن لكل حضارة وأمة قادتها الذين يصوغون أفكارها وتصوراتها، وأن الأساس في نهضة أي أمة هو مفكروها وعلماؤها، فقد كان غياب شطر كبير من علماء الأمة سببا رئيسا في الخذلان، وأشار المؤلف لذلك حين تحدث عن سبب عدم نفيرنا قائلا: ” وإنما يزهد عامة الناس لقلة من يرون ممن علم ذلك ثم لم يعمل لما علم، فهل أنتم فاعلون!”

قد تكون رحلتنا معا في هذا الكتاب قد انتهت، لكن يجب أن لا يكون هذا المقال آخر عهدك بالكتاب، فبين دفتي الكتاب عبارات ومعانٍ يصعب نقلها وحصرها في هذا المقال، ولا يتوصل إليها إلا بقراءة الكتاب وتفهّم ما فيه من كنوز ومفاهيم.

والحمد لله في البدء والختام.


عزام البشير بحر.
الأربعاء 7. جمادى الأول. 1447 هـ
29.
تشرين الأول أكتوبر. 2025م

 

 

 

إقرأ أيضًا

أحداث ومناشط قادمة

الأحدث

الأعلى مشاهدة

من معرض الصور