728 x 90

مقال بعنوان: (( النقود الورقية “الروسية” غير الرسمية والنقود الإلكترونية … كارثة اقتصادية مركبة ))

مقال بعنوان: (( النقود الورقية “الروسية” غير الرسمية والنقود الإلكترونية … كارثة اقتصادية مركبة ))

النقود الورقية ( الروسية) غير الرسمية والنقود الالكترونية … كارثة اقتصادية مركّبة.

بقلم الأستاذ:عبد الحميد الفضيل.

أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة.

تعد نحو عقد من الزمن، كشف مصرف ليبيا المركزي في بيانه الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 2025 عن قيمة الأوراق النقدية غير الرسمية من فئتي العشرين والخمسين دينارًا، التي تمت طباعتها في روسيا، والتي بلغت 26.4 مليار دينار ليبي.

المثير للدهشة أن البيان أشار إلى أن 10 مليارات دينار من هذه الكمية تُعد مزوّرة، في حين لمّح ضمنيًا إلى أن ما قيمته 16.4 مليار دينار تعدّ «شرعية»، رغم أنها لا تستوفي الشروط القانونية للعملة الشرعية، والمتمثلة فيما يلي:

  • عدم حملها توقيع محافظ مصرف ليبيا المركزي – طرابلس.
  • عدم صدورها عن إدارة الإصدار بالمصرف المركزي طرابلس.
  • تم طباعتها دون غطاء نقدي.
  • عدم تسجيلها ضمن العملات المصدرة في بيانات النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي.
  • عدم إدراجها ضمن عرض النقود. (انظر النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي -الربع الرابع 2024).

إنّ التفريق بين ما هو «مزور» وما هو « شرعي» من ذات المصدر، يُعدّ تناقضًا جوهريًا في موقف مصرف ليبيا المركزي. فقبول جزء من هذه العملات والتغاضي عن البقية، يعني ضمنيًا الاعتراف بشرعية إصدار غير قانوني.

وكان الأجدر بالمصرف أن يعلن بوضوح أن جميع العملات المطبوعة في روسيا صدرت عن جهة غير رسمية، وأن سحبها من التداول يمثل خطوة ضرورية لحماية النظام النقدي، ولقطع الطريق امام اي طباعة جديدة مستقبلًا، دون أن يُعدّ هذا السحب اعترافًا قانونيًا بها، بل تعاملًا واقعيًا مع وضعٍ فرض نفسه نتيجة انتشارها الواسع وقبولها العام كوسيلة تبادل ومخزن للقيمة.

 

 

 

لكن الكارثة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تم استحداث شكل آخر من النقود غير المغطاة تمثّل في النقود الإلكترونية التي أنفقتها الحكومات المتعاقبة الموازية المكلّفة من مجلس النواب. وقد بلغ إجمالي هذا الإنفاق نحو 186 مليار دينار ليبي، مثّل  «دينًا عامًا محليًا» مولته سندات خزانة أصدرتها هذه الحكومات لصالح ما يُعرف بـ«المصرف المركزي الموازي» في البيضاء، ومن بين هذا المبلغ الضخم:

ما قيمته 26 مليار دينار كانت على هيئة أوراق نقدية مطبوعة في روسيا (14%).

ما قيمته 160 مليار دينار كانت في شكل نقود إلكترونية (86%)، تمثل التزامات مصرفية غير مغطاة، لكنها استخدمت فعليًا في الإنفاق على السلع والخدمات.

النقود الإلكترونية… الخطر الخفي.

من المهم الإشارة إلى أن أثر النقود الإلكترونية على الاقتصاد الليبي كان أشد خطورة من أثر النقود الورقية غير الرسمية. فهذه الأرصدة الإلكترونية، رغم أنها لم تُطبع في شكل أوراق نقدية، إلا أنها مثلت طلبًا فعليًا على السلع والخدمات والنقد الأجنبي، مما عمّق أزمة التضخم وساهم في مزيد من الضغط على سعر صرف الدينار الليبي.

انعكاسات اقتصادية خطيرة:

لقد خلّفت هذه الإصدارات من الأوراق النقدية غير الرسمية بالإضافة الى النقود الالكترونية، آثارًا اقتصادية عميقة، أبرزها:

  • زيادة المعروض النقدي خارج سيطرة السلطة النقدية.
  • ارتفاع الطلب على النقد الأجنبي، وانخفاض قيمة الدينار الليبي.
  • تسارع معدلات التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار.
  • تدهور القوة الشرائية للدينار الليبي، وارتفاع معدلات الفقر.

 

 

 

 

ختامًا ….يمكن القول إن الصدمات التي تلقاها الاقتصاد الليبي نتيجة الإنفاق الموازي – سواء من خلال النقود الورقية المطبوعة في روسيا أو النقود الإلكترونية غير المغطاة – شكّلت تهديدًا وجوديًا للاستقرار النقدي، وأضرت بقيمة الدينار الليبي إلى درجة كادت تصيب الاقتصاد في مقتل.

إن ما حدث لا يمكن تصنيفه إلا في إطار الجرائم الاقتصادية التي تستوجب المساءلة القانونية، ويجب ألا يقتصر التركيز على العملات الورقية (المزورة) فحسب، بل أن يشمل أيضًا النقود الإلكترونية التي تم ضخها خارج القنوات الشرعية، لما لها من أثر موازٍ – بل وأعمق – على الاقتصاد الوطني.

نُشر المقال الأحد الموافق 26 أكتوبر 2025

 

إقرأ أيضًا

أحداث ومناشط قادمة

الأحدث

الأعلى مشاهدة

من معرض الصور