728 x 90

موجة التهاب فيروسي تجتاح أطفالنا ولم يسلم منها كبارنا

موجة التهاب فيروسي تجتاح أطفالنا ولم يسلم منها كبارنا

 

بقلم: نور الدين بالحاج.

 

في الأسابيع الأخيرة، تشهد مدينة طرابلس موجة غير مسبوقة من الالتهابات الفيروسية التي ضربت البيوت والمدارس والمستشفيات على حدٍّ سواء. أعداد المصابين ترتفع بشكل ملحوظ، والعيادات تشهد ازدحامًا لم تعهده منذ سنوات، لتتحول الأيام العادية إلى سلسلة من الطوابير أمام غرف الكشف المنتشرة في المصحات. المشهد الصحي أصبح حديث الناس، وأصوات السعال والحمّى تملأ صالات الانتظار، بينما يعيش الأهالي حالة من القلق على أطفالهم الذين بدوا الأكثر تأثرًا بهذه الموجة.

 

ولعل المثال الأوضح على حجم الانتشار هو ما حدث يوم الخميس الماضي في إحدى المصحات بالعاصمة، حيث سُجِّلت 114 حالة في يوم واحد فقط، أغلبهم يشتركون في ذات الأعراض: كحّة متواصلة، حرارة مرتفعة، سيلان في الأنف، ومعها في بعض الأحيان ترجيع وإسهال، ما يعكس صورة واضحة لفيروس سريع الانتشار قوي التأثير.

وقد بدأ ظهور هذه الموجة من الالتهابات الفيروسية في منتصف شهر نوفمبر 2025، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا دون أن تُظهر علامات التراجع.

 

الفرق بين الالتهاب الفيروسي والالتهاب البكتيري

 

من المهم توضيح الفوارق بين نوعي الالتهابات، لأن التشخيص الصحيح هو الخطوة الأولى نحو العلاج السليم.

 

أولًا: الالتهاب الفيروسي

ينتج عن فيروس يدخل الجسم عبر الجهاز التنفسي.

 

أعراضه: حرارة، كحة، سيلان في الأنف، صداع، ضعف عام، آلام جسدية.

غالبًا لا يحتاج إلى مضاد حيوي.

يشفى الجسم منه تلقائيًا خلال 3–7 أيام في أغلب الحالات، مع الراحة والسوائل وخافضات الحرارة.

ثانيًا: الالتهاب البكتيري

سببه بكتيريا تستغل ضعف الجسم بعد الفيروس أو تدخل بشكل مباشر.

 

أعراضه أقوى وأطول، وقد تشمل: حرارة مستمرة لا تنخفض، قيح أو صديد، التهاب شديد في الحلق أو الأذن، صعوبة في التنفس، أو أعراض تزداد سوءًا بدل التحسن.

 

هنا فقط يكون المضاد الحيوي جزءًا من العلاج.

 

الفارق بينهما جوهري، لكن الكثيرين يخلطون بينهما، ما يؤدي إلى أخطاء علاجية خطيرة، أهمها الإفراط في استخدام المضادات الحيوية دون حاجة.

 

أعراض وعلامات الفيروس المنتشر في طرابلس هذه الأيام

 

ما يميز هذا الفيروس أن أعراضه متقاربة عند أغلب المصابين، صغارًا وكبارًا، وأبرزها:

  1. ارتفاع الحرارة المفاجئ أو المستمر.
  2. كحة جافة أو مصحوبة ببلغم خفيف.
  3. سيلان الأنف أو انسداده.
  4. التهاب في الحلق وشعور بالحرقان.
  5. إجهاد شديد وعدم القدرة على القيام بالأنشطة اليومية.
  6. قيء أو إسهال في بعض الحالات، خصوصًا عند الأطفال.
  7. فقدان الشهية واضطراب النوم.

 

وما يزيد الوضع تعقيدًا هو تزامن انتشار الفيروس بين الأطفال في المدارس والحضانات، ثم انتقاله إلى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة، مما يعزز سرعة انتشاره في المنازل والمجتمع.

 

سوء استخدام المضادات الحيوية… خطر بصمت!

 

أحد أخطر السلوكيات التي ظهرت خلال هذه الفترة هو لجوء الناس إلى شراء المضادات الحيوية مباشرة من الصيدليات، واستخدامها دون تشخيص طبي.

وهذا التصرف، رغم أنه يبدو “حلاً سريعًا”، إلا أنه في الحقيقة يحمل نتائج خطيرة:

لا يعالج الالتهاب الفيروسي لأنه ليس له أي تأثير على الفيروسات.

يسبب مقاومة بكتيرية تجعل المضاد الحيوي يفقد فعاليته مستقبلًا.

قد يؤدي إلى اضطرابات في الأمعاء وإسهال شديد لدى الأطفال.

يؤخر الشفاء الحقيقي لأنه يعطي شعورًا زائفًا بالعلاج.

 

إن الذهاب للصيدلية للحصول على الدواء بلا وصفة لم يعد مجرد خطأ بسيط؛ بل أصبح سلوكًا يُسبب ضررًا صحيًا عامًا ويهدد بظهور بكتيريا خطيرة لا تستجيب للعلاج.

 

الوقاية من هذا الفيروس!

 مسؤولية جماعية

 

الوقاية ليست صعبة، لكنها تحتاج وعيًا والتزامًا:

  1. غسل اليدين باستمرار بالماء والصابون لمدة 20 ثانية.
  2. تجنب تقبيل الأطفال أو ملامسة الوجه بعد العودة من الخارج.
  3. تهوية المنازل والفصول الدراسية يوميًا.
  4. عزل الطفل المريض عن إخوته قدر الإمكان.
  5. تجنب الازدحام قدر المستطاع خلال فترة الانتشار.
  6. التقليل من إرسال الأطفال للمدارس في حالة ظهور أي عرض.

 

هذه الإجراءات البسيطة تمنع انتشار الفيروس بنسبة كبيرة، وتخفف الضغط على المؤسسات الصحية.

 

فائدة استخدام المعقم والكحول والكمامة

المعقم والكحول

يساهمان في قتل الفيروسات التي تنتقل عبر الأسطح والملامسة، خاصة في المدارس والمكاتب والمصالح الحكومية.

لكن يجب استخدامهما بشكل صحيح وبكميات مناسبة، وليس بشكل مبالغ فيه حتى لا يؤدي إلى جفاف أو تهيج البشرة.

 

الكمامة

رغم أن البعض قد يستهين بها، إلا أنها ما زالت فعّالة في حالات الانتشار الواسع، خصوصًا للمصابين الذين يعانون من كحة أو عطاس متواصل.

ارتداء الكمامة في الأماكن المزدحمة يقلل احتمالية انتقال الفيروس بنسبة كبيرة، ويحمي الفئات الضعيفة كالأطفال وكبار السن.

 

الخاتمة

هذه الموجة الفيروسية التي تعصف بطرابلس اليوم ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن خطورتها تكمن في سرعة انتشارها وارتفاع عدد المصابين بها، وخاصة من الأطفال. إن التزام المجتمع بالوعي الصحي، وعدم الانجرار وراء استخدام المضادات الحيوية بشكل عشوائي، والاهتمام بالنظافة الشخصية والوقاية، كلها عوامل كفيلة بأن تخفف من انتشار الفيروس وتحمي الأسر من دوامة المرض.

 

الصحة مسؤولية مشتركة، وحفظها يبدأ من كل بيت، ومن كل قرار نأخذه تجاه أطفالنا وذوينا.

ومهما اشتدت الموجة اليوم، فإن الوعي والالتزام كفيلان بأن يجعلانا نتجاوزها بسلام.

إقرأ أيضًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *