728 x 90

نصائح دوائية

نصائح دوائية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقال بعنوان:

((نصائح دوائية))

 

بقلم: عبد الله نصر.

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله، سيدنا محمد بن عبد الله، وبعد؛ فإن الله ابتلانا بأمراضٍ، وأنزلَ لنا ما نتداوى به، وهدانا إلى جمعه وتركيبه وتهيئته ليستعمله من حاق به داءٌ. والناسُ قد ابتدعوا في ذلك أدويةً كثيرةً ونَوَّعوا في المواد المستخدمة وطرق التركيب والتغليف والنقل والتخزين، وأنشأوا لذلك المعاهد والكليات والجامعات، وخصصوا لتوزيع الأدوية صيدلياتٍ مُهَيَّئةً بكل ما يُناسب العقاقيرَ ويسهل وصولها إلى المرضى في صورة فاعلة نافعة.

وإني بحكم تخصصي ومجال عملي؛ فإني صيدلي ممارس للمهنةِ زمناً – ليس بالطويل ولا بالقصير- قد لاحظتُ أموراً رأيتُ بسطَ الحديثِ فيها للناسِ، لتوضيحِ بعضِ ما يُشكل، وتصحيح مفاهيمَ خاطئة، وتقريب المعلومة الطبية والدوائية بأسلوبٍ يسهل أخذه والعملُ به. على أنَّ جُزءاً من الكلام ينصرف إلى الزملاء في التخصص الصيدلاني والطبي.. والله الموفق!

 

المضادات الحيوية:

بدءاً، يُستحسنُ فهمُ طبيعة المضاد الحيوي، ومعرفةُ آلية عمله؛ إن المضادات الحيوية هي مركبات طبية -قد تكون طبيعيةً صِرفاً وقد تُصنَّعُ في المعمل وقد تكون طبيعية ولكن جرى فيها شيءٌ من الصناعة-، أما دورُها: فإن الأجسام الدقيقةَ المُمرِضة (كالبكتيريا) متى هاجمت الجسم؛ فإن المناعةَ تُطلقُ أجساماً مضادةً لدحرِ الكائنِ الممرض إما بقتله أو بإضعافه، غيرَ أنَّ مناعةَ الجسم قد تعجَزُ عن ذلك، إما لمرضٍ أو حالةٍ خاصةٍ كَكِبَر السن مثلاً، وإما لقوةِ الكائن المُمرضِ وضراوتِه، فيأتي هنا دورُ المضادِّ الحيويِّ فإنه يؤدِّي ما عجَزَت عنه المناعة.

فمن هذا نعلمُ أن هذه الفئةَ من الأدويةَ لا توصَفُ في الأمراض ابتداءً، فمثلاً؛ إن أُصيبَ أحدٌ بالزكامِ مصحوباً بأعراضٍ أخرى يطلبُ لها دواءً يشفيه منها، فإن الصحيحَ ألا يُهرَع إلى المُضاد الحيوي رأساً، بل أن يتدرَّج في ذلك؛ فليبدأ بدواءٍ يُخفف عنه الأعراض المزعجةَ التي يمرُّ بها، (وأشدُّ هذه الأعراض الحمّى وارتفاع درجة حرارة الجسم)، ثم لينظُرْ؛ فقد تسحقُ المناعةُ الطبيعية هذه البكتيريا الغازِيَة دون حاجةٍ إلى مضاد حيوي، على أنه يُستحسَن أن تُدعمَ المناعةُ بما يُقويها ويؤازرها من غذاءٍ صحي متوازن ونومٍ متوازن وبعض الفيتامينات. وقد لا تكون أصلاً بكتيريا، بل كائناً آخر كالفيروس، وهو مسبب لأعراضٍ مشابهةٍ لتلك التي تنشأُ عند الإصابة بعدوى بكتيريَّة! وقد يسهلُ تمييزُ الأعراض وقد تتشابكُ وتتشابه. فيكون عندئذٍ استعمال المضاد الحيوي كمِثلِ إعطائكَ الخُبز للذي أصابه العطشُ ويطلُبُ منك الماء؛ فتزيدُ مشقَّته من حيثُ أردتَ إنقاذه.

وبعد هذا، فقد يُقرر الطبيبُ وصف المضادِّ الحيوي للمريض، فإن وصَفهُ له -وكان خبيراً أميناً- فليلزم المريضُ وصفتَه، وليتَنبَّه في ذلك إلى أمور أربعة: الأول فإنه ينبغي له ألا يحيدَ عن الدواء الذي وصفه له بالتحديد (ولا أقصد بالطبع الشركة المصنعة)، وإنما عَنيْتُ المادةَ الدوائيةَ، وإنما يحدثُ ذلك عندما يقولُ أحدُنا: إنَّ أخي قد مرضَ قبلي بيومين أخذ المضاد الحيويَّ الفُلاني وشفاه الله، وها أنا ذا جاءَ دوري ومرضتُ مثله، فمن البديهي أن آخذ نفس المضادَّ! ولكن الأمرَ لا يُقاسُ هكذا، فما تراه مرضاً مشابها قد لا يكون كذلك وإن تشابهت الأعراض، ثم إن الأجسادَ تختلفُ في طبائعها وتفاعلها مع الغذاء والدواء.

والأمرُ الثاني هو الجرعة الدوائية والتي تقاس غالباً بالميللجرام mg، فقد يصف الطبيبُ للمريض جرعةً يراها هو جرعةً كبيرةً فيأخذ نصفها، أو العكس. ويحدثُ ذلك أيضاً مع عدد التكرارات في اليوم، فقد يأمره الطبيب بأخذ الدواء ثلاث مرات في اليوم، فيقتصرُ هو على مرتين ظناً منه أنه تكفي، أو العكس، وهذا هو الأمر الثالث. أما الأمر الرابع فَعَدَدُ الأيام التي يجبُ أخذ الدواء فيها؛ فهو أمرٌ لا ينبغي العبَثُ فيه كذلك؛ فإن العبثَ فيه أو في غيره من الأمور المتعلقة بتناول المضاد الحيوي، قد تقلبُ المنفعةَ ضرراً، والدواءَ سُمّاً، فإن أنت -مثلاً- أخذت المضاد الحيوي ليومين فقط بدلَ الخمسة التي أمرك بها الطبيبُ بحُجَّةِ أنك تحسنتَ ولا تُريد الإكثار من أخذ الدواء، تكون بذلك قد أقمتَ مُعسكراً تدريبياً للبكتيريا الممرضة، وخرَّجتَ منها سُلالةً مُقاوِمةً للمضادِّ الحيوي، فلا يعودُ نافعاً معها. وليتَ هذا الضررَ مقتصرٌ على صاحبه، بل إنه يتعدى إلى المجتمع فيعودُ الناسُ بحاجةٍ إلى دواءٍ أقوى من السابق في مجابهة هذه البكتيريا.. فاحذر!

فلتعلم من كُلِّ هذا أن المضادَّ الحيويَّ دواءٌ نافعٌ واكتشافٌ نافعٌ أنقذ -بفضل الله ورحمته- آلافاً مؤلَّفةً من البشر حول العالم على مر الزمن، ولكنَّ التعاملَ معه بصورةٍ خاطئةٍ يقلب النفعَ ضرراً والخيرَ شراً، وهذا في سائر الأدوية، ولكنَّه في المضادات الحية آكدُ لأن الناسَ استسهلت أمره حتى إن بعضهم يعدُّه دواءً مسكناً يأخُذه متى ألمَّ به وجع.

وكلمتي إلى الزملاء أن يثبتوا على العلم الذي تعلناه في المحاضرات والدروس والمستنبطِ من التجارب والأبحاث، وألا ينجروا وراء رغبة العميل في (القضاء على المرض بسرعة) عن طريق المضاد الحيوي، والا تسوقهم عبارة القائل: (أنا أعرف مرضي فإنه لا ينفع معه إلا المُضاد)! وألا ينجروا كذلك وراء رغبة تحقيق الربح عن طريق زيادة مبيعاتهم ببيع المضادات الحيوية لمن لا يستحقها وإنما يكفيه أن يأخذ ما هو دونها. على أنه لا أريد أن يُفهم من كلامي أن المضادات الحيوية أدوية خطيرةٌ يحسُن بالمرء اجتنابُها دائماً، فإن المريضَ إن وُصِف له المضادُّ الحيويُّ من الطبيب الحاذق الأمين -كما أسلفتُ-، فإن واجب الصيدلي صرفُه، لا أن يُقنِعَ المريضَ بتركه وتجاوزه دون وجود سبب وشبهةٍ تمنعُ من أخذه.

حفظنا الله وإياكم من كل بلاءٍ ووباءٍ، ونسأله أن ينفعنا بما علمنا ويزيدنا علماً ويستخدمنا لِمَراضيه!

يتبعُ هذا المقالَ -إن شاء الله- مقالٌ آخرُ أوجه الحديثَ يه عن المسكنات ما يتعلقُ باستخدامها ومنافعها وأضرارها.. والله الموفق!

إقرأ أيضًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *